الثلاثاء، 1 يوليو 2014

في تماسينت .. محاولة للتذكر



اخترت اليوم أن أتحدث قليلا عن حياتي البسيطة العادية ، بعيدا عن لغة المشاعر و الأحاسيس ، سأتحدث بلغة السقوط و الهبوط حينا ، و بلغة المجد و اعتلاء القمة التي مازلت أتمناها ..
لن أتحدث بصيغة خبير الحياة ، لن أتحدث عن طفولتي فأنا مازلت طفلا يحب اللعب و المشاكسة ، لكنني جدي إذا استدعت مني الظروف ذلك .. يقولون أنني كبرت بسرعة ، لم أنل كفايتي من اللعب مع أقراني ، ربما لأنني عندما كنت صغيرا كنت منعزلا قليلا ، كنت أحب البقاء في المنزل بجانب حنان والدتي ، كنت أشعر بالخطر في الشارع ، لا أعلم السبب حقا لكنني كنت أخاف البقاء خارجا .
بلدتي الصغيرة تجلس وحيدة بين الجبال لا يزورها أحد ، هي على الهامش تنتظر بطولات أبنائها لإخراجها من الركن المظلم الذي وُضعت فيه ، تتحدى قسوة الأنا التي زرعها البعض في داخلهم ، تتحدى الجميع و هي بلا حول و لا قوة ، "تماسينت" هذا اسمها ، لا أعلم معنى هذا الإسم حقا أظنه جاء من النسيان فبلدتي موجودة فقط على الخارطة و غير ذلك نقتبس من مصطلحات الإستعمار ما يسمى بالمغرب الغير النافع أو حتى المجهول منه لنسقطه على "المنسية" هناك بين أحضان الطبيعة تتقاذفها أجنحة المعاناة من الفقر و المخدرات و الأمية و البطالة . هنا تعلمت في المدرسة ما يُكتب و يُحفظ و تعلمت من الشارع ما يُفهم و يُألم ، قد تكون هذه الظروف هي التي جعلتني حبيس منزلنا في أغلب الأحيان ، كانت يومياتي بين المدرسة و البيت ، أقصى أمنيات يومي كانت الحصول على حيز زمني لأذوب مع مغامرات أبطال خياليين عشت بينهم و أصبحت منهم ، ربما لهذا السبب كنت أميل إلى الأدب أكثر .
و بين فصول الدراسة فصول أخرى تعرفت عليها بجانب والدي ، جني الزيتون و اللوز و الحصاد و الري و الحرث .. كانت هواية والدي في عطلته و رياضته التي يعشقها ، أما أنا فكنت أجد فيها وسيلة من وسائل التعذيب فسعيت جاهدا للهرب منها حينا و لاختلاق الأعذار حينا ، لكنني كنت أقع في الفخ في أغلب الأحيان . في موسم الحصاد هناك بعيدا عن منزلنا نستيقظ فجرا و نشد الرحال إلى حقلنا الشاسع الذي يفرح قلب والدي بسنابله الصفراء و غلته الوافرة أما أنا فهمي الوحيد كان رؤية الشمس مشرقة في كبد السماء لكي يصعب معها الحصاد فنعود أدراجنا على أمل أن لا نعود مساءا لاستكمال العذاب ، و كنا نأخذ في رحلتنا قنينة كبيرة ألبسناها ثوبا نبلله باستمرار لكي يبرد الماء الذي جئنا به من بئر على الطريق ، أما طعام صبحنا التعيس فهو بعض التفاحات و طماطم بالملح (أكلة شعبية ههه) و بعد الرجوع إلى البيت يكون لنا موعد مع البيض البلدي و الزيت التي نتعب أيضا من أجلها و خبز جدتي (رحمها الله) اللذيذ الذي تفوح منه رائحة الشعير و كأس شاي منعنع محليا . أما في موسم جني اللوز و ما أكثره عندنا فالشمس للأسف لا توقف معاناة الظهور المنحنية طوال اليوم ، فكانت أمنيتي أن أكون محظوظ اليوم و يرسلني والدي لجلب طعام الغذاء من المنزل لأتأخر قليلا في الطريق و أستريح من الركوع لالتقاط حبات اللوز ..
أتذكر الكثير من الذكريات بحسرة فأبتسم حينا لبراءة تفكيري و طفولية أمنياتي و أحزن حينا لأنني أصبحت أتمنى الكثير في وطن يعتبر التمني جريمة يعاقب عليها الواقع بالسجن المؤبد بين جدرانه الباردة و بوابته الحديدية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق